عاشوراء ضد العنصرية



يوم عظيم من أيام الله سبحانه وتعالى، أرسى الله فيه دعائم الحق والنصر العظيم على فرعون وقومه. وما النصر إلا من عند الله . 

قال تعالى (وَإِذۡ نَجَّیۡنَـٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ یَسُومُونَكُمۡ سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ یُذَبِّحُونَ أَبۡنَاۤءَكُمۡ وَیَسۡتَحۡیُونَ نِسَاۤءَكُمۡۚ وَفِی ذَ ٰ⁠لِكُم بَلَاۤءࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِیمࣱ)[سورة البقرة 49]

في هذا اليوم نصر الله سبحانه وتعالى الثلة المستضعفة المنبوذة في المجتمع ، نصرهم الله نصر عزيز منتقم. ، نصرا مؤزرا يتلى قراناً إلى يوم القيامة. 

فمهما بلغ الباطل سطوة وتجبراً واكباراً في الأرض وعلواً إلا أن لهم يوما عند الله تعالى ، فيذلهم ويكبتهم وينصر المؤمنين فلا غالب له سبحانه فهو القوي العزيز.

لأجل هذا اليوم العظيم سُن لليهود أن يصوموه شكرا لله عز وجل، فصاموه شكرا لله تعالى. 

لكن من عقيدتنا مخالفة اليهود، فما زالوا يقومون بأمر فيستحسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه يخالفهم فيه حتى قالت اليهود ما بال هذا النبي ما قمنا بأمر حتى خالفه وأمر بذلك.

ولعل الحكمة من هذه المخالفة هو حتى  لا تكون الموافقة الدائمة مدخلاً لإثارة اليهود وغيرهم الشبهات، فإنهم قد يقولون: إن المسلمين إنما فعلوا ذلك موافقة لنا، ومتابعة لنا، وليس عندهم شيء، وما جاءوا به إنما هو من آثار ديننا وكتابنا، بلبلةً للعقول والأفكار، وترويجا للشبهات.

لذلك أمر النبي صلى الله وسلم بمخالفتهم في كل أمور دينهم

كذلك من الأسباب الاخرى : أن موافقتهم في ظاهر عبادتهم تفضي إلى موافقتهم في الباطن لأن النفس بعد ذلك توافقهم في عامة امورهم وعبادتهم ولذلك تأمر الشريعة دائما بمخالفتهم.

ولتقريب ذلك : فلنأتي برجل من عامة الناس ونلبسه لباس العلماء من قلنسوة وثوب أبيض ونأمره أن يجلس مع العلماء ، حين ذلك سيجد نفسه مقاربة  للعلماء أكثر من ذي قبل، لأنه تشبه بهم ولعله بعد أيام سيفكر في أصدار الفتاوى!

لذلك نهى الإسلام عن التشبه بلباس المشركين حتى لا يؤدي ذلك الى الألفة في القلوب بينهم وبين المتشبه بهم  فيؤثر ذلك سلبا على عقائدنا الإسلامية الحقة.

فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم صيام اليهود أمر بصيامه ، وعلامات الدهشة تظهر على وجوه اليهود وهو يقول لهم :

«نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ»

فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: هَذَا اليَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ»

وفي الحقيقة كلما أقرأ هذا الحديث يثير في فرحا وعشقا لهذا الدين القويم هذا الدين الذي لا يفرق بين عرق أو لون إلا بالتقوى، في حين أن العالم اليوم يفتقر إلى تلك القيم الاسلامية التي تساعد في حل أكبر معظلة عالمية ألا وهي العنصرية تلك المعظلة التي كادت أن تدمر العالم اليوم وتحدث الكثير من المشاكل حول العالم بل قامت حروب بسببها ولم تفلح كافة القوانين في وأد شأفة العنصرية، أما الإسلام فقد دمر كل مظاهر دعوى الجاهلية القديمة والحديثة! 

هذا الدين جمع ببن بلال الحبشي ، الذي كان قبل الاسلام مجرد عبد حبشي أسود ، ثم حين دخل في الإسلام أصبح من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كان يأمره باعظم شعيرة وهي الأذان.

وجمع هذا الدين بين صهيب الرومي وبين سلمان الفارسي ، صحابة كبار لم يجمعهم إلا هذا الدين القويم، ولن يجمعهم شيء أو دين آخر، ولا فرق بينهم إلا بالتقوى.

وهنا في الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم :«نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ»

فالبرغم من القرابة الرحمية بين اليهود و نبي الله موسى ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على أن ولاية الدين وأخوة الدين أولى وأفضل من القرابة الرحمية.

قال تعالى: (لَّا تَجِدُ قَوۡمࣰا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ یُوَاۤدُّونَ مَنۡ حَاۤدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوۤا۟ ءَابَاۤءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَاۤءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَ ٰ⁠نَهُمۡ أَوۡ عَشِیرَتَهُمۡۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَأَیَّدَهُم بِرُوحࣲ مِّنۡهُۖ وَیُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُوا۟ عَنۡهُۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَاۤ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ)[سورة المجادلة 22]

 فالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أولى بالاتباع بموسى من اليهود لأنهم خالفوا نهج نبيهم ، حين أمرهم موسى عليه باتباعه وبشر في التوراة بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم فخالفوا ذلك حقدا وحسدا فأصبحوا من المغضوب عليهم. ولا وزن لقرابتهم لنبي الله موسى عليه السلام.

فولاية الدين تسقط أمامها كل القرابات والولايات الحزبية والطائفية، فكل ما خالف دين الله تعالى فهو موضوع تحت قدميه الشريفتين كما قال صلى الله عليه وسلم : (ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدمي موضوع).

أن الإسلام يحث على صلة الرحم فأمرها عظيم عند الله وهي معلقة عند العرش تسأل حقها عند الله تعالى ، ولكن في نفس الوقت ينهى عن التعصب القبلي والعنصري ، فمن محاسن دعوة الإسلام أن جمعت بين المتخاصمين كالاوس والخزرج فقد كانت بينهم حربا عظيمة حتى جاء الاسلام وطهر القلوب والافئدة بهذا الدين العظيم واذاب كل ذلك واستبدله بأخوة الدين وما اعظمها من أخوة في الله. فالمتحابين فيه في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

وكل آيات الخطاب في القران أنما هي حربا ضد العنصرية ، فلا تفرق بين لون أو جنس أو ذكر أو أنثى  حتى نهت عن التفاخر بالاباء والجنس واللون  أو من يتفاخرون اليوم انهم عرب وغيرهم مجرد كذا وكذا ، فهذا هو النبي صلى الله عليه وسلم بالرغم من أنه من أشرف أنساب العرب إلا وكان يشدد على القضاء على كافة اشكال العنصرية الحديثة والقديمة.

اقرأ  وتأمل معي هذا الحديث العظيم

قوله ﷺ:( لَيَنْتَهِيّنَ أقْوامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبائِهِمْ الّذينَ ماتُوا إنّما هُمْ فَحْمُ جَهَنّمَ. أوْ لَيَكُونُنّ أهْوَنَ عَلى اللهِ مِنَ الجُعَلِ الّذِي يُدَهْدِهُ الخرءَ بِأنْفِهِ. إنّ اللهَ قد أذْهَبَ عَنْكُمْ عُبّيّةَ الجاهِلِيّةِ وفَخْرَها بِالاَباءِ. إنّما هُوَ مُؤْمِنٌ تَقيّ وفاجِرٌ شَقيّ. النّاسُ كُلّهُمْ بَنُو آدَمَ. وآدَمُ خُلِقَ مِنَ تُرابِ)أخرجه الترمذي وحسنه.

فهنا نهى النبي عن التفاخر بالاباء والاجداد وكثير ما نشاهد هذا الأمر في يومنا هذا في كل وسيلة من وسائل الاعلام ، بل نشاهد قنوات كاملة لقومية معينة لا تذكر إلا التفاخر بالاباء والاجداد أو اللون والجنس المعين وهكذا مما يرسل رسائل سيئة إلى بقية الناس. 

وهذا هو النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بمن يسمونهم اليوم  بالمهمشين

فهذا رجل من أهل البادية أسمه (زاهراً )

رجل دميم بمعنى لا يلتفت إليه الكثير من الناس،  وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وكانَ يُهْدِي إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الهَدِيَّةَ مِنَ البادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا أرادَ أنْ يَخْرُجَ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنَّ زاهِرًا بادِيَتُنا، ونَحْنُ حاضِرُوهُ». وكانَ النَّبِيُّ ﷺ يُحِبُّهُ، وكانَ رَجُلًا دَمِيمًا، فَأتاهُ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا وهُوَ يَبِيعُ مَتاعَهُ، فاحْتَضَنَهُ مِن خَلْفِهِ ولا يُبْصِرُهُ الرَّجُلُ، فَقالَ: أرْسِلْنِي مَن هَذا، فالتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ ﷺ، فَجَعَلَ لا يَأْلُو ما ألْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ ﷺ، حِينَ عَرَفَهُ، وجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «مَن يَشْتَرِي العَبْدَ؟» فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إذًا واللَّهِ تَجِدُنِي كاسِدًا، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكاسِدٍ أوْ قالَ: «لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أنْتَ غالٍ»

يا الله أي دين هذا أي حب هذا بين النبي وبين هذا الرجل الصحابي الذي اهتم به النبي صلى الله عليه وبين له أن موازين الدنيا لا يلتفت إليها ويلتفت إلى موازين الآخرة. وانه عن الله غالٍ يا لها من لحظة عظيمة أن تعرف نفسك إنك غال عن الله عز وجل. فيا حظ أمه وأبيه به.

وكثير من أمثال زاهرا لا يلتفت لهم الناس ويدفعونهم من عند الابواب فلا جاه لهم ولا سلطان لكنه لو اقسم على الله لابره الله أكبر!

قال رسول الله ﷺ: «رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)) 

أي لو حلف على ربه وقال يا رب لتفعلن كذا وكذا لابر الله قسمه الله أكبر الله اكبر ما هذا الذي يحملونه في قلوبهم حتى يبر الله قسمهم.

اذا اخي المسلم اختي المسلمة لا تستهزء بالمساكين فلعلهم عند الله مكانة توزن بها الجبال ألا يكفي قول النبي صلى الله عليه وسلم (قمت على باب الجنة، فإذا عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار. وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء)) متفق عليه. ولا قول بعد قول رسولنا الكريم.

فهذا اليوم العظيم يوم عاشوراء يوما يحارب العنصرية بكل معانيها الجاهلية المدمرة ، بكل اسقاطاتها السيئة بكل ما تحمله من قهر وظلم لفئات ضعيفة في المجتمع لفئات مقهورة فكفل الاسلام حقهم في الزكاة، وازن الاسلام بينهم وجعلهم يقفون أمامه في الصلاة صفا صفا ،، المسؤول بجانبه البدوي ، وذو الجاه بجانبه الرجل الفقير ، بل ويلبسون الاحرام في الحج وكأنهم يقفون بين يدي الله تعالى يوم القيامة. فلا فرق بين الغني والفقير والمسكين يوم ذاك إلا بالاعمال، قال تعالى (وَنَضَعُ ٱلۡمَوَ ٰ⁠زِینَ ٱلۡقِسۡطَ لِیَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسࣱ شَیۡـࣰٔاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةࣲ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَیۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَـٰسِبِینَ)[سورة الأنبياء 47]

وكفى بالله حسيبا وكفى بالله وكيلا.



 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رواد مغني اغاني مسلسلات الأطفال في العالم العربي

مراسم تغيير الحرس الجمهوري في السودان

لماذا لا نعيد ترتيب أشيائنا الصغيرة؟