ما بين درة عمر وتزحلق شبابنا


ما بين درة عمر وتزحلق شبابنا




كم تمنيتُ كثيرًا أن يكون الصحابي الجليل عمر بن الخطاب بيننا، وأُريه كثيرًا مِن المظاهِر، خاصة الشبابية منها، كم تمنيتُ أن أُريَه كيف أصبحَتْ ملابس الشباب وقصَّاتهم وحركاتهم، خاصَّةً مشيهم وما يَرتدونه مِن بناطيل تسمَّى عندنا بالعامية السودانية بـ"الستتم"، التي انزاحَت عن سَراويلهم فكشفَت ملابسهم الداخلية، وربما العورة - والعياذ بالله - حينها يكون قد أوقعتُ هؤلاء الشباب في الفخِّ، عندها يَدفعني غاضبًا أميرنا عمر بن الخطاب.

كم تمنَّيتُ أن يَستمع هؤلاء الشباب لأسماء - رضي الله عنها وعن أبيها - حين وصفَت مشْي عمر بن الخطاب فقالت: كان "إذا مشى أسرع، وإذا تكلَّم أسمَع، وإذا ضرَب أوجَع".

وأُركِّز على مسألة مشي الإنسان؛ فإن مشْي الإنسان يدلُّ على شخصيته، ولعلَّ علماء لغة الجسد فَطِنوا لذلك متأخِّرًا، لكن عِندنا في الإسلام الأمر مُختلِف جدًّا، فقد أوصى لقمان ابنَه بالمَشْي مرَّتَين في حين لم يُكرِّر بقية الوصايا على أهميتها، تأمَّل معي قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ﴾ [لقمان: 18]، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره: "أي كِبرًا وتيهًا وبطرًا، مُتكبِّرًا على الحق، ومتعاظمًا على الخلق" انتهى كلامه؛ "تفسير السعدي"؛ (ص: 457).

ففي هذه الآيَة بيَّن - سبحانه - سبب منْع هذه المشية؛ لأنه - تعالى - يَكره كل مُختال فخور، ثم أكَّد عليها مرة أخرى في قوله: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [الإسراء: 37]، قال ابن كثير في تفسيره: "﴿ وَلَا تَمْشِ ﴾؛ أي: مُتبختِرًا مُتمايلاً مشْيَ الجبارين؛ ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ ﴾؛ أي: لن تَقطَع الأرض بمشيتِك، ﴿ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾؛ أي: بتمايُلِك وفَخرِك وإعجابك بنفسك" ا هـ، أليس ذلك مُنطبِقًا على شبابنا الذين يَلبسون هذا اللبس الخليع، ويَمشون هذه المشيةَ البغيضةَ، ويا لَيتهم قرؤوا هذا الحديث الذي ثبَت في الصحيحَين: ((بينما رجل يَتبخْتَرُ، يمشي في بُرْدَيْه قد أعجبتْه نفسُه، فخَسَفَ اللهُ به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة)).

ثم ختَم - سبحانه - على لسان لقمان الحكيم بقوله: ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾ [لقمان: 19]؛ قال السعدي: "أي: امشِ مُتواضِعًا مُستكينًا، لا مَشي البطر والتكبُّر، ولا مشي التماوُت"؛ "تفسير السعدي" (ص: 666).

ويا لَها مِن أعظم خاتمة مِن ربِّنا - عز وجل - فمتى نَعي قرآننا، ومتى نَترك التزحلُق خلف عادات الغرب ولبسهم، فالله المستعان، وعليه التُّكلان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رواد مغني اغاني مسلسلات الأطفال في العالم العربي

مراسم تغيير الحرس الجمهوري في السودان

لماذا لا نعيد ترتيب أشيائنا الصغيرة؟