تدني المستوى المعيشي للمعلم إلى متى؟؟

تدني المستوى المعيشي للمعلم إلى أين؟


لن أبالغ إن قلتُ: سنُفاجأ في يوم من الأيام بألا نجد معلِّمين في المدارس! حينئذ ستحدُث الكارثة؛ فقد أصبحت هذه المهنة منفِّرة، بل أصبحت مهنةَ مَن لا مهنة له! فالمعلِّم يعيش على راتب ضعيف جدًّا، لا يقارَن براتب أقل موظف في الدولة، وليس ذلك فحسب بل تستقطِع النقابة العامة للمعلمين الكثير من راتب المُعلِّم دون فائدة حتى ينتهي راتب المعلم في نصف الشهر، فيتكفَّف المعلم طلاب الدروس الخصوصية؛ علَّه يجد ما يَسُدُّ به حاجته في ظلِّ هذه الحياة التي لا ترحَم أحدًا. (المحرِّر) دخلت المدارس، واستَطلعتُ عددًا من المدرسين وأصحاب الشأن علَّنا نجد الإجابة.
فيا تُرى ما أسباب هذه المشكلة؟ ومَن المسؤول؟ وما هي الحلول المطروحة لها؟

المعلمون يتَّهِمون النقابة!
أجمَع كثيرٌ مِن المعلمين ممن استَطلعتُهم (المحرِّر) أن ضعْف المرتب مِن أهم أسباب سوء الأوضاع المعيشية للمعلِّم، أضِف إلى ذلك عدم وجود حوافز وبدلات، وهذا ما ابتدرَنا به الأستاذ ودُّ الخليفة؛ حيث قال: ضَعْف مرتب المعلم وغلاء الأسعار مع انعدام لوجود البدلات والحوافز والأجر الإضافي، الذي لم يَعرفه المعلِّم مهما عمِل أو بذَل من الجُهد أسوةً بالموظَّفين في المؤسَّسات الأخرى، وأضاف قائلاً: فالمعلم لديه الكثير من الالتِزامات الأسرية مِن تلاميذ وطلاب بمراحل التعليم المختلفة، والإيجار، وغير ذلك من الالتزامات، ثم حدَّثنا عن نفسه فقال: أنا أعمل لمدة 19 سنة بالدرجة الخامسة، وأصرِف مرتبا 630 جنيها، منها استقطاعات تبلُغ مائة جنيه، والاستقطاعات الضرورية والقانونية منها المعاش والتأمين الصحي، أما الباقي فيَضيع بين النقابة والاتحاد.
ثم ألقى باللائمة على نقابة المعلمين والاتحاد؛ حيث أضاف: أما الباقي فيَضيع بين النقابة والاتحاد في أشياء لا تعود بالفائدة المباشرة على المعلِّم أو حتى المساعدة على حَلِّ قضاياه العصيَّة في هذا الزمن الصعب، وأضاف: بينما هم يتمتَّعون بالحياة الرغدة والسيارات الفارِهة والمنازِل المُترَفة، ويُنصِّبون أنفسهم أمناء على حقوق المعلِّمين والتحدُّث باسمهم، وهم أوَّل مَن يظلِمهم!
ووافَقَه مدير المدرسة (م.ع)؛ حيث قال: السبب في ضَعْف المرتب وزارة التربية والتعليم؛ حيث لم تَزِد مرتب المعلم، وأضاف: في السابق كان المرتب يَكفي فلا يحتاج إلى دروس خصوصية، وكان دور النقابة جيدًا وقويًّا، لكن الآن دور النقابة ضعيف ولا يُساعِد المعلِّم، والاستقطاعات من المرتب كثيرة جدًّا ودون فائدة تُذْكر.
ويرى الأستاذ حاتم: أن تدنِّي المستوى المعيشي للمواطن عمومًا وغلاء السلع الاستهلاكية ألقى بظلاله على التعليم وعلى المُعلِّم، فلا يدفع المواطن المال الكافي لتعليم الطلاب.
بينما تحدَّثت بغضب شديد الأستاذة شاهيناز قائلة: مِهنَة التعليم أصبحت مهنةً مُنفِّرة؛ لأنه لا يوجد حوافز، والراتب ضعيف، ومِن ثَم يؤثِّر على مستوى المعلِّم، و الذين نادوا بمجانية التعليم أثَّروا تأثيرًا بالغًا على التعليم؛ فأصبح أولياء الأمور لا يَدفعون الرسوم المقرَّرة عليهم حتى يُضطرَّ مدير المدرسة إلى جمْع التبرُّعات مِن الخيِّرين.
حدَث محزِن!
وأثناء الاستطلاع تَفاجأنا بحدث محزن؛ وهو أنه يوجد معلِّمة تسكُن داخل الفصل معها ابنتها؛ وذلك نِسبةً لظروفها الاجتماعية الصعبة، ولأنها لا تستطيع أن تسكن بالإيجار فسكَنتْ داخل الفصل وحدَها هي وابنتها، وما في ذلك مِن خطر عليها!
الخبراء يُشخِّصون الأسباب!
يرى مدير مرحلة الأساس بمحلية الأزهري الأستاذ بابكر البدوي: أن مِن أهم الأسباب كذلك عدمَ وجود سكَن للمعلمين؛ لأنه في السابق كان هناك سكن لكن الآن يُضطرُّ المُعلِّم إلى سكن الإيجار؛ مما أثر سلبًا على مستواه المعيشي.
ويرى أيضًا أن المُعلِّم بطبيعته لا يعرف الاستثمار؛ حيث قال: المعلم لا يَعرف كيف يَستثمر وهذا من طبيعته، حتى إن المُعلِّمين الذين عمِلوا بالخارج كإعارة عادوا برؤوس أموال لكن لم يستطيعوا تفعيلها، فضاعت وانتهَت منهم! أما المعلمون الذين اتجهوا إلى التعليم الخاص وأنشؤوا مدارس خاصة، فقد نجحوا في ذلك؛ لأنه مجالهم.
ويرى د. توفيق الخبير التربوي: أن نسَب القَبول لكلية التربية متدنيَة جدًّا؛ مما أثَّر سلبًا على راتب المُعلِّم، خلاف الدول المتقدِّمة التي تجعل نسبة القَبول لكليات التربية عالية، وتجعل للمُعلِّم مستوى وظيفيًّا عاليًا جدًّا خلاف ما نحن عليه الآن.
وأضاف: أيضًا إن المعلِّم لا يتَّسع له الوقت لكي يعمل بأي مجال آخَر سِوى مجال التعليم؛ مما أثَّر على معيشته، أضِف إلى ذلك أن طبيعة عمله تحول أن يُمارس عملاً آخَر لا يتناسب مع مهنة التدريس.
نقابة المُعلِّمين تدافع عن نفسها!
ثم توجَّهْنا إلى الأمين العام لنقابة المعلمين الأستاذ هاشم التوم؛ حيث وضّح أن النقابة ساعية دائمًا في تحسين الأوضاع المعيشية للمعلم؛ حيث قال: منذ تكوين النقابة العامة وهي ساعية في تحسين أوضاع المعلم؛ حيث قمنا بتقديم ترقيَة المُعلِّمين دون تأخير؛ لأنه في السابق كان هناك تأخير في ترقية المعلِّم من درجة إلى درجة أخرى.
وفي جانب التأمين الصحي قمنا بعمل مناديب يَقومون باستخراج بطاقة التأمين الصحي وتجديدها دون جهد يُذكَر مِن المعلِّم، وفي حالة الولادة للمعلمات قمنا بتسهيل الإجراءات للولادة بقيمة مناسبة للمُعلِّمة.
وقمنا كذلك بعمل أكبر مركز خدمات للمعلِّم تمَّ إنشاؤه عام 1999، وقمنا بتفعيله وتجديده باستمرار، وملَّكنا فيه المعلمين أدوات أجهزة كهربائية وأثاثًا وغير ذلك؛ مما يُغطِّي احتياجات المعلم، وقمنا بمساهمات تكافُلية تَخدُم المعلم في حالات الزواج والوفاة، كعمل صيوان للمناسبات وكراسيه توزَّع مجانًا خاصة في حالة الوفاة، كما قمنا بعمل فندق للمُعلِّم يتم إكرام المعلم وزوجته لمدة خمسة أيام، وهذا الفندق أسهَمنا في إنشائه مع اتحاد المعلِّمين.
أيضًا عند خروج المعلمين للمعاش نقوم بتكريم المعلمين، ونحتفل بهم ونُقدِّم لهم الشهادات التقديرية، ونعمل لهم برامج ترفيهية، وتوجد فرعيات في الوحدات تقوم بنفس الأعمال.
سخط المعلمين مَن يوقفه؟
بالرغم مِن هذه الجهود لنقابة المعلمين فإن الكثير مِن المعلمين ساخطون مِن أدائها، بل يرى الكثير مِن المعلمين أن النقابة جهودها لا تَمَسُّ المعلِّم مباشرة، بل إن الاستقطاعات الكثيرة من المرتب أسهَمت في تأزيم وضع المعلم، حتى الخدمات التي تقدِّمها النقابة بأقساط أغلى مِن سعر السوق، فيا ترى ما هو ردُّ النقابة؟

أوضح هاشم التوم أن السبب يعود إلى مسألة الأقساط؛ ولأن المعلم يأخذ بالأقساط وأسعار البضائع تَزيد في الأسواق، وأعترف بذلك أن أسعار الخدمات أغلى مِن أسعار السوق، لكن سنقوم بمعالجات ومراجعة لمسألة الأسعار والمركز الآن مُستقِرٌّ حاليًّا.
المعلم أقل مرتَّب في الدولة!
في أحد الخطابات الجماهيرية للرئيس عمر حسن البشير أعلَن أنه سيَجعل راتب المعلم أعلى مرتَّب في الدولة، ومنذ ذلك الحين لم يُرفَع مرتَّب المعلم!
فلماذا لم تتحرَّك النقابة العامة لمراجعة مسألة الأجور مع الحكومة؟

أبان الأستاذ هاشم التوم أن النقابة ستَسعى لزيادة الأجور ممثَّلةً في النقابة العامة للمُعلِّمين، وبعد أن تهدأ الأوضاع السياسة الراهنة سنُراجع الحكومةَ في مسألة الأجور؛ لأنه مِن الصعب الآن مراجعة هذه المسألة في هذا الوقت.
أين سكن المعلمين؟
أما عن المعلِّمة التي استطلعَها (المحرر) أبان قائلاً:
كان في السابق هناك سكن للمُعلِّمين، بل وملَّكْنا أراضي للمعلمين، وبالفعل تم تمليك قطع أراضي، وكان ذلك قبل عام 2000، لكن للأسف جاءت وزارة الإسكان وأوقَفت هذا المشروع، ولولا ذلك لكان الآن لكل معلم منزل، لكن أي مدرسة في الأرياف لها (ميز) للمعلمين والمعلمات، ولا يوجد معلم تواجِهه مشكلة سكن في الأرياف، نعم هناك بعض إشكاليات السكن في المدارس خاصة في الخرطوم، ونَعِد المعلمين - إن شاء الله - بالتنسيق مع الجهات المُختصَّة بأن يكون هناك سكن للمعلم أسوةً بسكن الصحفيِّين أو المهندسين - إن شاء الله.
ما بين حلول الخبراء وحلول النقابة
وأضاف هاشم التوم أنه الآن قامت النقابة بالتعاون مع معتمِد محلية أم درمان بعمل برنامج سلفيات للمعلمين - والبرنامج جاري تنفيذه الآن - ثم يُستَقطع ذلك مِن مرتَّب المعلم.
ويرى الأستاذ بابكر البدوي مدير مرحلة الأساس بمحلية الأزهري أنه لا بدَّ أولاً مِن تحسين راتب المعلم حتي يتسنَّى له أداء رسالته بالشكل الأكمل؛ لأنَّه إذا كان راتبه لا يفي بمتطلبات الحياة فإنه سيؤثر سلبًا على التعليم عمومًا، ويرى أيضًا أنه لا بدَّ مِن عمل مشاريع استثمارية تُحسِّن مِن وضعهم، مثل مستشفى المُعلِّم، سكن المعلم...إلخ.
ويوافقه الرأي الخبير التربوي الدكتور توفيق قائلاً: على الدولة أن تهتمَّ بالمعلم ومشاكلِه، وعلى المجتمع أن يدعم المعلم دعمًا ماديًّا ومعنويًّا، ولو كان هناك جمعية تكافُليَّة تعاوُنيَّة فيَشتري المعلم من دكانه الذي استثمرَه والأسهم تكون مِن المُعلِّمين ذاتهم لكن بطريقة أفضل وأنجح، وأضاف: ولا مانع أن تُسهِم الدولة في خفض قيمة تذاكر السفر للمُعلم، وتُعالج بتذاكر خاصة للمعلم، وعلى قطاعات المجتمع المختلفة أن تُشارك في مساعدة المعلِّم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رواد مغني اغاني مسلسلات الأطفال في العالم العربي

مراسم تغيير الحرس الجمهوري في السودان

لماذا لا نعيد ترتيب أشيائنا الصغيرة؟